عندما اضطر المدرب الاسباني رفائيل بنيتيز إلى فسخ تعاقده مع نادي ليفربول الانجليزي تحت ضغط النتائج السلبية اضطرت أيضا إدارة الأخير إلى وضع شرط يمكن اعتباره شرطا جزائيا بإلزامه التوقيع على تعهد بعدم انتداب أي لاعب من لاعبي ليفربول لصالح فريقه الجديد مهما كان هذا الفريق.
ولم يكن هذا التعهد سوى إجراء وقائي لجأت إليه الإدارة الانجليزية لحماية النادي من نزيف بشري لأنها كانت تدرك جيدا بان بنيتيز لن يرحل وحده عن الانفيلد وأن هناك عددا كبيرا من اللاعبين سيذهبون معه تحت تأثير إغراءات كثيرة أبرزها الإغراء المادي واللعب مع التشكيل الأساسي خاصة أن بنيتيز كان مرشحا للإشراف على أغنى الأندية الأوروبية بما فيها الانتير طبعا وكانت إدارة الانفيلد تخشى على نجومها من الرحيل الجماعي خاصة الثلاثي القائد ستيفان جيرارد ولاعب الوسط خافيير ماسكيرانو ومواطنه المهاجم فرناندو توريس.
والحقيقة أن إدارة ليفربول لم تبتكر هذا الإجراء الوقائي من تلقاء نفسها ولكن لان تجارب سابقة كثيرة كانت راسخة في ذاكرتها تجارب جعلت العديد من الأندية تتحول في ظرف مواسم قليلة من المنافسة على دوري الأبطال إلى البحث عن مجرد المشاركة في هذه المسابقة بسبب مدربيها السابقين الذين بمجرد ما أقيلوا أو استقالوا حتى جروا معهم ما يشاؤون من لاعبين مميزين.
بل إن بعض الأندية الكبيرة في أوروبا تتعمد التعاقد مع مدربين من هذه الطينة لعلمها بأنهم لن يكونوا مجرد مدربين بل أيضا سماسرة ووكلاء لاعبين يمارسون السمسرة بطريقتهم الخاصة حيث يرشحون الأسماء التي يرغبون في التعاقد معها ولكن ليس بالمجان.
فالمدرب يأخذ عمولته من صفقة اللاعب على أن يضمن له مكانه في التشكيل الأساسي حتى يرفع من أسهمه في سوق اللاعبين بل أن ليفربول نفسه استفاد من بنيتيز السمسار قبل أن يستفيد منه كمدرب عندما جاء سنة 2004 حيث اصطحب معه المهاجم توريس والحارس المتألق بيب راينا .
وهناك الكثير من الأمثلة عن هذه الظاهرة الجديدة في أوروبا والتي اشتدت أكثر منذ صدور قانون بوسمان في منتصف التسعينات من القرن الماضي.
فالمدرب الايطالي فابيو كابيلو جلب معه الى ريال مدريد سنة 1996 الظهير الأيسر الممتاز في فريقه السابق ميلان كريستيانو بانوتشي وفي نفس السنة لعب المدرب الانجليزي الراحل بوبي روبسون دورا هاما في إقناع الظاهرة البرازيلية رونالدو بالمجيء إلى نادي برشلونة الاسباني لأنه سبق أن اشرف عليه عندما كان في ايندهوفن الهولندي ، و في أواخر التسعينات حول المدرب لويس فان غال فريق برشلونة إلى فريق هولندي بعدما جلب معه اغلب اللاعبين الذين توج معهم في اياكس بدوري الأبطال، منهم الشقيقان دي بوير فرانك ورونالد والمهاجم باتريك كلويفرت ومارك اوفرمارس ورايزيغر ووينستون بوغارد وفليب كوكو وغيرهم.
وحتى المدرب البرتغالي اتبع نفس الطريقة عندما رحل من نادي بورتو الى تشيلسي سنة 2004 حيث قدم معه العديد من ركائزه أبرزهم المدافع ريكاردو كارفاليو وحتى حاليا في ريال مدريد يسعى لجلب الظهير البرازيلي المتميز مايكون وبالتأكيد ما كان يتأخر في انتداب اليافع بالوتيلي لولا علاقته السيئة معه.
والحقيقة التي تؤكدها هذه الظاهرة هي أن كرة القدم في أوروبا تحولت من مجرد لعبة للفرجة إلى قطاع اقتصادي قائم بذاته تجوز فيه كل المعاملات التجارية والمالية بعيدا قطاع لا مجال فيه للعواطف والمبادئ والوفاء فيه للنادي يقتصر فقط على الجمهور الذي حتى وإن أراد أن يبدل ناديه فسيكون بالمجان.
ولم تخلو ملاعبنا العربية من تجارب من مثل هذا النوع حتى و إن لم يكتب لها النجاح ليس بسبب حنكة أنديتنا العربية أو عدم حب لاعبينا للمال، بل ذلك راجع لتعسف رؤساء الأندية الذين يستخدمون البطاقة الدولية كسلاح للدفاع عن مصالحهم قبل مصالح أنديتهم.
حيث حاول البرتغالي مانويل جوزيه أن يأتي بنجمي الأهلي محمد أبو تريكة وعماد متعب إلى فريقه الجديد اتحاد جدة السعودي لكنه فشل، كما فشل الفرنسي برنارد سيموندي في جلب أعمدة وفاق سطيف خالد لموشية وعبد المالك زياية لتدعيم ناديه الجديد الخريطيات القطري.
ديدا ميلود
خاص بمنتدى تطوان دوت نت