فوائد من سورة طه
لا يمكن للإنسان أن يحقق هدفا هو غير مقتنع به , وعظائم الأمور , وجلائل الهبات لا تُنال إلاّ إذا انطلق الإنسان من خاصة نفسه , يتصرف في السر كما يتصرف في العلانية , ويؤمن بقضيته أمام الملأ وفي الخلاء , أما إن كانت القضايا بالنسبة له يجلب من ورائها ديناراً أو درهماً فسيكون سيره في تلك القضية ضعيف إن لم تنكشف عورته وتظهر سوأته مابين يوم وآخر
{ فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ } قلنا أن العلماء يقولون : أن موسى عليه السلام قال:
{ لَّعَلِّي } من باب الاحتراز , وهذه أصلاً قضية عامة .. يقولون : أن أهل العقل لا يضعون أقدامهم اليُمنى حتى يجدون موطأً لليسرى , ويفكرون في طريق الرجوع قبل أن يفكروا في طريق الذهاب , والعاقل لا يقطع الحبال كلها عن نفسه , وإنما يجعل له طريق عودة
مما يستفاد من القضية هذه أن اللذين حولك أحوج ما يكونون إلى الأمن , والإنسان إذا أُعطي الأمن يعطي القدرة على العطاء , أما إذا شعر الإنسان بالخوف فإنه يكون غالباً غير قادر على العطاء
من الخلفاء السابقين في عهد بني أُمية أتى برجلٍ صالح ومعه زمرة من أصحابه , وكانوا قوماً صالحين , وهذا الزعيم فيهم كان مشهوراً بثبات جأشه وفصاحة لسانه
, فقال له الناس في ذلك الموضع تكلم قل , قال : ماذا أقول ؟! سيف مشهور , وكفن منشور , وقبر محفور. من أين يأتي الكلام ؟ وهو محق أن الخوف والوضع الذي أنا فيه لا يساعد على أن أتكلم
قد يوجد في الناس ـ لكن هذه حالة أفراد شاذة ـ من يكون رابط الجأش حتى عند رؤية السيف , فيقولون أن المعتصم أراد أن يقتل رجلاً يقال له جميل , كان له أطفال وصبية صغار , ثم إنه أُحضر النطع والجلاّد والسيف والناس ينظرون , ولم يكن ثمَّة شك في أن أمير المؤمنين قرر قتله , فأراد المعتصم أن يختبره ليرى أين لسانه عن جنانه فقال له ما تقول يا جميل ؟ ـ هذا والسيف مشهور , والكفن منشور , والقبر شبه محفور ـ قال :
أرى الموت بين السيف والنطع كامنا يلاحظـني من حيث ما أتلفَّت
وأكبر ظنِّي أنك الـيوم قاتلـي وأي امرئٍ مما قضـى الله يفلت
يعز على الأوس بن تغلب موقف يسل علي السيف فيـه وأسكت
وما جزعي من أن أموت وإنني لأعلم أن المـوت شيء مؤقت
ولكن خـلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسـرة تتفتت
كأني أراهـم حين أنعى إليهم وقد خمَّشوا تلك الوجـوه وصوِّتوا
فإن عشت عاشوا سالمين لغبطة أذود الردى عنـهم وإن مت موِّتوا
فتعجّب المعتصم من رباطة جأشه مع الحال التي هو فيها , وقال تركتك لله ثم لصبيتك وعفا عنه ,
أراد الله بهذا أن يبيِّــن أن هناك آية ستنجم عن هذه العصا , ولم يرد الله أن تكون الآية في شيء غير العصا , فلعل موسى يقع في ذهنه أنها شيطان أو ما أشبه ذلك , لكن موسى أعلم الناس بعصاه فهو يعرفها , وهي ملازمة له سنين عديدة , ويعرف من أين اقتطعها , وهو يتكأ عليها ـ كما يقول ـ , ويهش بها على غنمه فلا تكاد تفارقه , ولهذا أراد الله أن تكون الآية في نفس الشيء الذي يعرفه موسى جيداً
أن الإنسان يقتصد في أمور الدنيا إذا كان مصدرا للإمامة في الدين بالقدر الذي يقيم به حاله ولا يتجاوز الحد
من أعظم ما يجعلك أن تقف على الحق وتثبت عليه علمك اليقيني به , لكن عليك أن تعلم أنك بشر ضعيف تحتاج إلى من يقوّيك , والله جلّ وعلا قادر على أن يثبت موسى بين يدي فرعون من غير تجربة لكن موسى لما وقف ذلك الموقف , وانقلبت العصا حية وهو يرى , واليد أُدخِلت وخرجت وهي بيضاء وهو يرى انتهى من مقام التجربة فآمن هو بقضيَّـته , واقتنع بقدرته كان يسيراً عليه أن يقف واثقاً من نفسه متمكِّـناً من قوله مظهراً لدليله أمام فرعون
من دعا إلى الله ولم يتسلَّح بالعلم القلبي والإدراكي لا يكون قادراً على الثبات كغيره , ولو سمع شبهة تشكك في الجنة أو في النار , أو تخبر بعدم قيام البعث , أو كلمة يلقيها من يلقيها على عواهنها فتقع منه موقعاً يجعله يحجم عن الدعوة , فحتى الذين منَّ الله عليهم بالهداية من خلال موقف إيماني كالذي يرى مصرعاً لأحد , أو يمر على جنازة , أو يرى قبراً هذا محمود يكون سبباً في الهداية لكنه لا يكفي , فلابد أن يُسقى ذلك بعلم بالله جلّ وعلا حتى يكون ثبات على الدين , لأن أثر ذلك الموقف العارض لا يلبث أن ينجلي إن لم يُـسقى برحيق العلم والمعرفة والتفكُّـر في مخلوقات الله , وإذا أراد الله بعبد خيراً ومُـضيٍ في الطريق قلَّــبه جلّ وعلا في أمور الدنيا والأهوال والنوازل والابتلاءات… وغيرها يراها حتى يشتد عوده , ويثبت جنانه , ويصبح على بيِّـنة من ربه وهو يدعوا إلى الله تبارك وتعالى , وهذه العطية هي التي منحها الله ووهبها لأوليائه ورسله وخاصةً منهم أولو العزم , ومنهم كليم الله موسى بن عمران
فأي أحدٍ فقير إلى الله من كل وجه , والعطايا الإلهية إليك بقدر عظيم إظهار فقرك إلى الله جلّ وعلا , فلا تدخلن مقاما , ولا تجلسن على كرسي , ولا تتصدرن في موضع وأنت تظن أنك وصلت إليه بحولك وقوتك
لكن المهم أن لا تسأله غير الله جلّ وعلا, وأن تلجأ إلى الله جلّ وعلا في حاجتك , فقد مرّ معنا في دروس عدة مقولة نُقلت عن العزِّ بن عبد السلام قالها في كتابه ( فوائد الأحكام ) قال : ( والله لنيصلوا إلى شيءٍ بغير الله , فكيف يوصل إلى الله بغير الله )
إن الدعاء من أعظم ما ينتصر به الإنسان , لكن من المهم أن يكون هذا الدعاء مقروناً بحسن نية , فو الله لن يوجد أحد لديه حسن نية في بُغية شيء إلاّ وأعطاه الله جلّ وعلا إياه , إذا كان يريد ذلك الشيء الذي يبتغيه النصح لله ورسوله , وليس له فيه ولا لغيره حظ ولا نصيب
الإمام في الدين الحق من ابتغى بعلمه الله جلّ وعلا وحده , ولم يستشرف ولم يشرأب عنقه لغير عطايا الرب تبارك وتعالى , فما أتاه من الدنيا يتحرز منه , وقد ينقل له رؤى و منامات تُحكى عنه ويُمدح ويقول الناس فيه ما يقول , وأن الله كتب لك القبول وأمثال ذلك , فليأخذها على حذر خوفاً أن يكون استدراجاً , فإن العبد لا يدري بما يُختم له
قال رب اشرح لي صدري
الإنسان إذا انشرح صدره للأمر الذي يطلبه كان ذلك أشد عوناً له في قضاء تلك الحاجة التي يرومُها
وقد مرت عائشة رضي الله عنه على رجلين في الحج يسأل أحدهما الآخر ، هل تعلم أي أخً أعظم منّة على أخيه ؟ فقال الآخر : لا أدري ، فقال الذي سأل : أنا أعلم إنه موسى بمنّتهِ على هارون ، فبفضل دعاء موسى أضحى هارون نبياً رسولا . فقالت عائشة رضي الله عنها مُعلقة : صدق والله فيما قال له .
والمستحيلات عند العرب ثلاثة : اثنان منها يتعلق بالدواب فيقولون الغول يخوفون به ولا حقيقة له ، والعنقاء يخوفون به ويتحدثون عن كثير من أساطيره ولا حقيقة له ،لكنهم يجمعون إلى ذلك الخل الوفي . قد يكونوا أصابوا في الأولى لكنهم أخطئوا في الثانية فكم من خلٍ وفيٍ موجود وأعظم الشواهد أخوة الصديق لنبينا صلى الله عليه وسلم
الإنسان يصبح في قمة الأمان إذا كان محاطا برعاية الله والصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر جعل الله النعاس وهو النعاس مظنة نصر لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فالمقصود كل من خاف من أحد فر منه إلا من خاف من الله لجأ إليه فلا ملجأ ولا منجا من الله إلاّ إليه
والنقص في العلم في حق غير الله عز وجلّ يأتي منعدة أوجه:
1ـ يأتيه في أن يعلم ثم ينسى
2ـ ويأتيه في أنه يجهل ثم يتعلم
3ـ في أنه يتعلم ثم لا يحيط علماً بما علم
من الله عز وجلّ به على الخلق تظهر ربوبيته , وهذه الأمور كلها لا يستطيع فرعون ولا غيره أن ينكرها , فهي حجج باهرة وآيات ظاهرة وقدرة تُعجز من يراها تأمـل في النبــات وانظر إلى آثـار ما صنع المـليك
عيون من لجين شاخصــات على ورقٍ هو الذهب السبيك
على كُـثب الزبرجد شاهدات بأن الله لـيس لـه شـريك
الله جل وعلا أرحم من أن يُعذّب من غير أن يُعطي مساحة زمنية لمن أراد أن يُعذّبهُم وإنما لا يهلكُ على الله إلا هالك والشقيُ من لم تتداركهُ رحمةُ الرب تبارك وتعالى .
وفرعون إنّما أهلكهُ شقاؤه وعنادهُ ومُكابرتهُ سنين طويلة ..
أعظمُ ما يُمكنُ أن يُستنّبط في هذا المقام أن دعوة الأنبياء دعوة واضحة لا تُحاك في الخفايا فليست الدعوةُ أحزاباً سياسية ولا جماعات غير مرضية ولا غير ذلك ، وليس في دين اللهِ رؤوس وغيرُ ذلك وأُمور وبرتوكولات خفية وبرتوكولات يعلمُها العامة وغير ذلك إنما دينُ الله جليٌ واضح تعبّد الله بهِ الجميع ولهذا لم يكُن عند موسى علية السلام شيءٌ يُخفيهِ في الدعوة إلى ربهِ
أن هؤلاء السحرة رغم المُغريات التي بين أيديهم أستحيُوا من موسى
(قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى)
هذهِ العبارة في التلطُف مع موسى وعدم جبرهِ على الإلقاء أولاً أو عدم جبرهِ على الإلقاء أخرا جعلها الله جل وعلا سبباً في هداية القوم بهذهِ النية الطيبة التي خرجت على شكل ألفاظ قد لا يشعُرُ بها أحد لكنّها أرادها الله تمهيداً لعطاءٍ ربانيً لهُم بعد ذلك كما سيأتي .
قال العُلماء ذكر الله اليمين هنا من باب البركة (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) ذكر الله اليمين من باب البركة واليمينُ معروفٌ فضلها بالشرع ومن دلائل فضلها أن من طرائق القرآن أن الله إذا أفرد وجعل مُقابل الإفرادِ جمع دلّ ذلك على فضيلة المُفرد قال الله {عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ } الظُلمات والنور فأفرد النور وجمع الظُلمات وأفرد اليمين وجمع الشمائل ليُبين فضل النور وفضل اليمين مُقابل الظُلمات ومُقابل الشمائل .
الإنسان لا يُمكنُ أن يكون في وضع ٍ هو ذليلٌ فيهِ أعظم من ذلة السجود وكُلّما ذللت نفسك بين يدي الله كُنت منهُ قريباً فلمّا ذلّوا أنفُسهم وسجدوا أورثهُم الله بذلك السجود الذي سجدوهُ لهٌُ عزة وإباء ومنعة فلمّا هدّدهم فرعون لم يكُن مُبالون بتهديدهِ (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) أربعون عاماً وفرعون يُرسّخ فيهم انهُ رب وأنهُ إلهِ وأنهُ يقتُل ويبطُش كُلهُ مُحي بسجدة وربُما لم تتجاوز دقائق معدودات لأن الموروث الذي أخذوه من فرعون هباء منثور وإن كان لهُ حقيقة .
السجود من أعظم ما ينالُ به العبدُ عظيم اليقين
وهذهِ منهاج للمؤمن في كُل ما يأتيهِ ما يكونُ فيهِ شيء يتعلق بالله وما فيهِ يتعلّق بالمخلوقين فثق أن ما عند الله جل وعلا خيرٌ لك وأبقى وهذهِ من الطرائق التي ربى الله جل وعلا بها رُسُلهُ عليهم الصلاةُ والسلام وهذّبهم بها وثبت قلُوبهم جل وعلا بها أنهُ أعلمهم أن الآخرة هي الباقية هي التي يعملُ الخلقُ لها. قال صلى الله علية وسلم لما رأى الأنصار والمُهاجرين يبنون مسجده ” اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمُهاجرة “
رحمة الله جل وعلا لا تُستجلبُ بشيء بعد الإيمان والعمل الصالح بأكثر من دعوة أو أكثر من مدحٍ أو ثناءٍ على الله يستدرُ بها العبدُ ما عند الله جل وعلا فإن الرب تبارك وتعالى لا أحد أحبُ إليهِ المدحُ من نفسهِ ولذلك مدح ذاتهُ العلية وهذا أمرٌ مُشاهدٌ في الكتاب والسُنة فإنهُ كم من عبدٍ صالحٌ ذكر الله جل وعلا دعوتهُ كدعوة ذي النون .
وكقولهِ صلى الله عليهِ وسلم لما سمع عبدً يقولُ في دُعائهِ ” اللهم لك الحمدُ حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيهِ ” أخبر علية الصلاةُ والسلام أن هذهِ الكلمات أعجزت الملكين .
والمقصودُ من هذا أن الله جل وعلا تُستدرُ رحمتهُ وتُستجلبُ ما عندهُ من الفضل والإحسان بكثرة الثناء عليهِ و انكسارِ البعدِ بين يديهِ وهذا الأمر كان مظنة أن يأتي فرعون و إلا لو تقرر عند جبريل أن الله لن يرحم فرعون قطعاً مهما قال ما كان هناك حاجة لأن يضع جبريُلُ الطين في فم فرعون .
أن المرء لا يحملُ فوق كاهلهِ شيءً أشد عليهِ من ذنبهِ ولهذا علّق الله جل وعلا جوائز فضائل الأعمال بغُفران الذنوب.
فلمّا ذكر النبيُ صلى الله عليه وسلم الحج وأخبر ما يجدهُ العبدُ من عناءٍ فيهِ وأنهُ عباده يجتمعُ فيها البدنُ والمالُ والقلب قال صلى الله علية وسلم :” رجع كيوم ولدتهُ أُمهُ ” فعلّقها بمغفرة بمغفـرة الذنوب لأن الصالحين لا يخشون لا يؤرقهم شيء أعظم من أنهم يسألون الله جل وعلا غُفران ذنُبهم .
إن تغفر اللهم تغفر جما *//* وأيُ عبدٍ لك ما ألما
لما أراد الله أن يُخبر ببعض كرامتهِ إلى نبيهِ صل الله علية وسلم قال لهُ (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) وهو عليهِ الصلاةُ والسلام يُعلّمُ الصديق فيقول أن يقول في دُعائهِ
” اللهم إنني ظلمتُ نفسي ظُلماً كثيرا وإنهُ لا يغفرُ الذنوب إلا أنت فاغفر لي ” أو كلمةً نحوها .
المقصود أن غُفران الذنوب من أعظم ما يطلبهُ العبد ُ من ربهِ.
العجلة مذمومة إلا إذا كانت مُسارعةً في الخيرات إن العجلة مذمومة إلا إذا كانت مُسارعةً في الخيرات (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)
طلبُ رضوان الله جل وعلا من أعظم المقاصد وأجلّ المطالب ولا توجدُ عطية أصلاً بعد رضوان اللهِ قال الربُ تبارك وتعالى (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ) وكُلّما كانت بُغية المرء أن ينال رضوان الله جل وعلا كان من أعظم الساعين في أسباب التوفيق و والله إنك لن تخرُج من دارك تطلُبُ أمرً أعظم من رضوان الله فكُلّما غلب على ظنّك في عمل فيهِ رضوان الله فلا تترد في السعي إليهِ عاجلاً أم آجلاً (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) .
يقولُ مُعاوية “ لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت إذا أرخوها شددتُها وإذا شدوها أرخيتُها ـ وفي روايةٍ أنهُ قال ـ أعيشُ معهُم كالحمام إذا وقعوا طرت وإذا طاروا وقّعت
أن الله إذا أراد ضلالة أحد غشي على أبصارهِ وحرمهُ من استعمال عقلهِ و إلا يا أُخي ترى من المُحال أن يُقال أن قوماً يُنجيهُم الله ويرون البحر يبس وتمشي أقدامهُم عليهِ ثُمّ بعد هذا كُلهِ يأتون إلى عجلٍ لهُ خوار يعبدونهُ من دون اللهِ هذا من أعظم الدلائل على أن المسألة لا ترجعُ إلى العقل وإنّما هي هداية من الله ونور يضعهُ الله جل وعلا في قلب من يشاء
الذنوبُ والخطايا التي تكونُ للعبدِ ولابُد منها يجبُ أن تُوظف توظيفاً صحيحاً فلا يأتينّك أحد ينتهزُ فيك ماضيك وبعضَ خطاياك فيُوظفُك إلى ما يشاء وما يبتغي وما يُريد من باب أن ذلك كفّارةً لما قدّ عملّت وإنما الإنسانُ يعلم أن الذنوبَ والمعاصي ليس لها إلا التوبة وقد مرّ معنا في اللقاء الماضي
فو الله ما عصى الله أحد إلا من باب هذهِ الثلاث من واحده من هذهِ الثلاث الكبر، أو الحسد ، أو الحرص .
فالحرص بابٌ لشهوات والحسد بابٌ للبغي والكبر بابٌ للبغي والشهوات وبابٌ لردّ ما جاء الله جل وعلا بهِ ولا يُعصى إلا بإحدى هذهِ الثلاث . كلُ المعاصي تندرج في هذا الباب .
إن من أهم الطرائق إلى معرفة كلام الله معرفة أساليب العرب في كلامها
والتعلّقُ بالدُنيا يحولُ بين المرء وبين حتى معالي الأمور لأن من يرومُ مجداً لا ينبغي لهُ أن يتعلّقُ بالدُنيا لأن التعلّقُ بالدُنيا يُرث أمرين : يُورث الجُبن ،، ويُرث الحرص وهو الطمع
لكن من طلب معالي الأمور لابُد أن ينزع الدُنيا من نفسهِ يجعلُها مطية لما يُريد لا يجعلُها في ذاتها غاية وأنظُر لمن عبد الدينار والدرهم وتعلّق بهما كيف أحولهُما وانخفاض سوق الأسهُم في المال في الزمن القريب من لقاءنا هذا أكبر دليلاً على تعلّقُ فئامٍ كثيرٍ من الدُنيا صحيحٌ أن الإنسان لا يتحملُ الخسارة إذا وقعت لا يُلام الناس يعني لوماً وعتباُ قاسيا لكن لا ينبغي للعاقل أن يتعلّق بها تعلُّق من والعياذُ بالله يصلُ في مراحل حياتهِ إلى أن الرزق لهُ طريقٌ واحد والله يُعلّم عبادهُ ويؤدبهم ويقول (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ)
من عرف الله جل وعلا حق المعرفة علم أن أسباب الرزق والعطاء ليست أبداً محصورةً في طريقٍ واحد لكنّها من رازقٍ واحدٍ هو الله فاللهُ يقول لنبيهِ (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) وهذا يلزمُ من خلالهِ أن لا يُقلّب الإنسان طرفهُ كثيراً في متاعِ أهل الحياة الدُنيا قدر الإمكان (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا) ولماذا قال اللهُ زهرة ؟
لأن الزهرة يراها السامعون التالون للقرآن فيرون أنها ما تلب أن تظهر حتى قليلاً ثُمّ تذبُل وتنتهي
قد قال بعضُ الصالحين : ” إنما الدُنيا زهرةٌ حائلةٌ ونعمةٌ زائلة ” إنما الدُنيا زهرةٌ حائلة يعني تحولُ إلى ذوبان وذبول ونعمةٌ زائلة وهذا أمرٌ مُشاهدٌ مهزوز .
نُريدُ من كُل من يُشاهدُنا ويسمعُنا ويقراُ دُروسنا ونحنُ في المقام الأول يعني نتعظ في أن الغاية من خلقنا أن تعترف قلوبنا بخالقها وتذعن لهُ وتعبدهُ وحدُه ” ألا وإنّ في الجسد مُضغة إذا صلُحت صلُح الجسدُ كُله “
(يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
فلا يوجدُ أحدٌ ساد وعندهُ ما ليس عندك عندهُ قلب وعندك قلب وهو مقام التحاكُم وموطنُ العبادةِ وإليهِ يعني هو موضع محبةُ الله وبُغضُهُ عند أهل الكُفر وطاعتهُ ومعصيتهُ عند العُصاة فكلُ الأمور مُعلّقة بمدى اتصال الخلق بالخالق وما الجوارح إلا شواهد ودلائل وقرائن على مدى اتصال القلب بالخالق .
لا يمكن للإنسان أن يحقق هدفا هو غير مقتنع به , وعظائم الأمور , وجلائل الهبات لا تُنال إلاّ إذا انطلق الإنسان من خاصة نفسه , يتصرف في السر كما يتصرف في العلانية , ويؤمن بقضيته أمام الملأ وفي الخلاء , أما إن كانت القضايا بالنسبة له يجلب من ورائها ديناراً أو درهماً فسيكون سيره في تلك القضية ضعيف إن لم تنكشف عورته وتظهر سوأته مابين يوم وآخر
{ فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ } قلنا أن العلماء يقولون : أن موسى عليه السلام قال:
{ لَّعَلِّي } من باب الاحتراز , وهذه أصلاً قضية عامة .. يقولون : أن أهل العقل لا يضعون أقدامهم اليُمنى حتى يجدون موطأً لليسرى , ويفكرون في طريق الرجوع قبل أن يفكروا في طريق الذهاب , والعاقل لا يقطع الحبال كلها عن نفسه , وإنما يجعل له طريق عودة
مما يستفاد من القضية هذه أن اللذين حولك أحوج ما يكونون إلى الأمن , والإنسان إذا أُعطي الأمن يعطي القدرة على العطاء , أما إذا شعر الإنسان بالخوف فإنه يكون غالباً غير قادر على العطاء
من الخلفاء السابقين في عهد بني أُمية أتى برجلٍ صالح ومعه زمرة من أصحابه , وكانوا قوماً صالحين , وهذا الزعيم فيهم كان مشهوراً بثبات جأشه وفصاحة لسانه
, فقال له الناس في ذلك الموضع تكلم قل , قال : ماذا أقول ؟! سيف مشهور , وكفن منشور , وقبر محفور. من أين يأتي الكلام ؟ وهو محق أن الخوف والوضع الذي أنا فيه لا يساعد على أن أتكلم
قد يوجد في الناس ـ لكن هذه حالة أفراد شاذة ـ من يكون رابط الجأش حتى عند رؤية السيف , فيقولون أن المعتصم أراد أن يقتل رجلاً يقال له جميل , كان له أطفال وصبية صغار , ثم إنه أُحضر النطع والجلاّد والسيف والناس ينظرون , ولم يكن ثمَّة شك في أن أمير المؤمنين قرر قتله , فأراد المعتصم أن يختبره ليرى أين لسانه عن جنانه فقال له ما تقول يا جميل ؟ ـ هذا والسيف مشهور , والكفن منشور , والقبر شبه محفور ـ قال :
أرى الموت بين السيف والنطع كامنا يلاحظـني من حيث ما أتلفَّت
وأكبر ظنِّي أنك الـيوم قاتلـي وأي امرئٍ مما قضـى الله يفلت
يعز على الأوس بن تغلب موقف يسل علي السيف فيـه وأسكت
وما جزعي من أن أموت وإنني لأعلم أن المـوت شيء مؤقت
ولكن خـلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسـرة تتفتت
كأني أراهـم حين أنعى إليهم وقد خمَّشوا تلك الوجـوه وصوِّتوا
فإن عشت عاشوا سالمين لغبطة أذود الردى عنـهم وإن مت موِّتوا
فتعجّب المعتصم من رباطة جأشه مع الحال التي هو فيها , وقال تركتك لله ثم لصبيتك وعفا عنه ,
أراد الله بهذا أن يبيِّــن أن هناك آية ستنجم عن هذه العصا , ولم يرد الله أن تكون الآية في شيء غير العصا , فلعل موسى يقع في ذهنه أنها شيطان أو ما أشبه ذلك , لكن موسى أعلم الناس بعصاه فهو يعرفها , وهي ملازمة له سنين عديدة , ويعرف من أين اقتطعها , وهو يتكأ عليها ـ كما يقول ـ , ويهش بها على غنمه فلا تكاد تفارقه , ولهذا أراد الله أن تكون الآية في نفس الشيء الذي يعرفه موسى جيداً
أن الإنسان يقتصد في أمور الدنيا إذا كان مصدرا للإمامة في الدين بالقدر الذي يقيم به حاله ولا يتجاوز الحد
من أعظم ما يجعلك أن تقف على الحق وتثبت عليه علمك اليقيني به , لكن عليك أن تعلم أنك بشر ضعيف تحتاج إلى من يقوّيك , والله جلّ وعلا قادر على أن يثبت موسى بين يدي فرعون من غير تجربة لكن موسى لما وقف ذلك الموقف , وانقلبت العصا حية وهو يرى , واليد أُدخِلت وخرجت وهي بيضاء وهو يرى انتهى من مقام التجربة فآمن هو بقضيَّـته , واقتنع بقدرته كان يسيراً عليه أن يقف واثقاً من نفسه متمكِّـناً من قوله مظهراً لدليله أمام فرعون
من دعا إلى الله ولم يتسلَّح بالعلم القلبي والإدراكي لا يكون قادراً على الثبات كغيره , ولو سمع شبهة تشكك في الجنة أو في النار , أو تخبر بعدم قيام البعث , أو كلمة يلقيها من يلقيها على عواهنها فتقع منه موقعاً يجعله يحجم عن الدعوة , فحتى الذين منَّ الله عليهم بالهداية من خلال موقف إيماني كالذي يرى مصرعاً لأحد , أو يمر على جنازة , أو يرى قبراً هذا محمود يكون سبباً في الهداية لكنه لا يكفي , فلابد أن يُسقى ذلك بعلم بالله جلّ وعلا حتى يكون ثبات على الدين , لأن أثر ذلك الموقف العارض لا يلبث أن ينجلي إن لم يُـسقى برحيق العلم والمعرفة والتفكُّـر في مخلوقات الله , وإذا أراد الله بعبد خيراً ومُـضيٍ في الطريق قلَّــبه جلّ وعلا في أمور الدنيا والأهوال والنوازل والابتلاءات… وغيرها يراها حتى يشتد عوده , ويثبت جنانه , ويصبح على بيِّـنة من ربه وهو يدعوا إلى الله تبارك وتعالى , وهذه العطية هي التي منحها الله ووهبها لأوليائه ورسله وخاصةً منهم أولو العزم , ومنهم كليم الله موسى بن عمران
فأي أحدٍ فقير إلى الله من كل وجه , والعطايا الإلهية إليك بقدر عظيم إظهار فقرك إلى الله جلّ وعلا , فلا تدخلن مقاما , ولا تجلسن على كرسي , ولا تتصدرن في موضع وأنت تظن أنك وصلت إليه بحولك وقوتك
لكن المهم أن لا تسأله غير الله جلّ وعلا, وأن تلجأ إلى الله جلّ وعلا في حاجتك , فقد مرّ معنا في دروس عدة مقولة نُقلت عن العزِّ بن عبد السلام قالها في كتابه ( فوائد الأحكام ) قال : ( والله لنيصلوا إلى شيءٍ بغير الله , فكيف يوصل إلى الله بغير الله )
إن الدعاء من أعظم ما ينتصر به الإنسان , لكن من المهم أن يكون هذا الدعاء مقروناً بحسن نية , فو الله لن يوجد أحد لديه حسن نية في بُغية شيء إلاّ وأعطاه الله جلّ وعلا إياه , إذا كان يريد ذلك الشيء الذي يبتغيه النصح لله ورسوله , وليس له فيه ولا لغيره حظ ولا نصيب
الإمام في الدين الحق من ابتغى بعلمه الله جلّ وعلا وحده , ولم يستشرف ولم يشرأب عنقه لغير عطايا الرب تبارك وتعالى , فما أتاه من الدنيا يتحرز منه , وقد ينقل له رؤى و منامات تُحكى عنه ويُمدح ويقول الناس فيه ما يقول , وأن الله كتب لك القبول وأمثال ذلك , فليأخذها على حذر خوفاً أن يكون استدراجاً , فإن العبد لا يدري بما يُختم له
قال رب اشرح لي صدري
الإنسان إذا انشرح صدره للأمر الذي يطلبه كان ذلك أشد عوناً له في قضاء تلك الحاجة التي يرومُها
وقد مرت عائشة رضي الله عنه على رجلين في الحج يسأل أحدهما الآخر ، هل تعلم أي أخً أعظم منّة على أخيه ؟ فقال الآخر : لا أدري ، فقال الذي سأل : أنا أعلم إنه موسى بمنّتهِ على هارون ، فبفضل دعاء موسى أضحى هارون نبياً رسولا . فقالت عائشة رضي الله عنها مُعلقة : صدق والله فيما قال له .
والمستحيلات عند العرب ثلاثة : اثنان منها يتعلق بالدواب فيقولون الغول يخوفون به ولا حقيقة له ، والعنقاء يخوفون به ويتحدثون عن كثير من أساطيره ولا حقيقة له ،لكنهم يجمعون إلى ذلك الخل الوفي . قد يكونوا أصابوا في الأولى لكنهم أخطئوا في الثانية فكم من خلٍ وفيٍ موجود وأعظم الشواهد أخوة الصديق لنبينا صلى الله عليه وسلم
الإنسان يصبح في قمة الأمان إذا كان محاطا برعاية الله والصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر جعل الله النعاس وهو النعاس مظنة نصر لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فالمقصود كل من خاف من أحد فر منه إلا من خاف من الله لجأ إليه فلا ملجأ ولا منجا من الله إلاّ إليه
والنقص في العلم في حق غير الله عز وجلّ يأتي منعدة أوجه:
1ـ يأتيه في أن يعلم ثم ينسى
2ـ ويأتيه في أنه يجهل ثم يتعلم
3ـ في أنه يتعلم ثم لا يحيط علماً بما علم
من الله عز وجلّ به على الخلق تظهر ربوبيته , وهذه الأمور كلها لا يستطيع فرعون ولا غيره أن ينكرها , فهي حجج باهرة وآيات ظاهرة وقدرة تُعجز من يراها تأمـل في النبــات وانظر إلى آثـار ما صنع المـليك
عيون من لجين شاخصــات على ورقٍ هو الذهب السبيك
على كُـثب الزبرجد شاهدات بأن الله لـيس لـه شـريك
الله جل وعلا أرحم من أن يُعذّب من غير أن يُعطي مساحة زمنية لمن أراد أن يُعذّبهُم وإنما لا يهلكُ على الله إلا هالك والشقيُ من لم تتداركهُ رحمةُ الرب تبارك وتعالى .
وفرعون إنّما أهلكهُ شقاؤه وعنادهُ ومُكابرتهُ سنين طويلة ..
أعظمُ ما يُمكنُ أن يُستنّبط في هذا المقام أن دعوة الأنبياء دعوة واضحة لا تُحاك في الخفايا فليست الدعوةُ أحزاباً سياسية ولا جماعات غير مرضية ولا غير ذلك ، وليس في دين اللهِ رؤوس وغيرُ ذلك وأُمور وبرتوكولات خفية وبرتوكولات يعلمُها العامة وغير ذلك إنما دينُ الله جليٌ واضح تعبّد الله بهِ الجميع ولهذا لم يكُن عند موسى علية السلام شيءٌ يُخفيهِ في الدعوة إلى ربهِ
أن هؤلاء السحرة رغم المُغريات التي بين أيديهم أستحيُوا من موسى
(قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى)
هذهِ العبارة في التلطُف مع موسى وعدم جبرهِ على الإلقاء أولاً أو عدم جبرهِ على الإلقاء أخرا جعلها الله جل وعلا سبباً في هداية القوم بهذهِ النية الطيبة التي خرجت على شكل ألفاظ قد لا يشعُرُ بها أحد لكنّها أرادها الله تمهيداً لعطاءٍ ربانيً لهُم بعد ذلك كما سيأتي .
قال العُلماء ذكر الله اليمين هنا من باب البركة (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) ذكر الله اليمين من باب البركة واليمينُ معروفٌ فضلها بالشرع ومن دلائل فضلها أن من طرائق القرآن أن الله إذا أفرد وجعل مُقابل الإفرادِ جمع دلّ ذلك على فضيلة المُفرد قال الله {عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ } الظُلمات والنور فأفرد النور وجمع الظُلمات وأفرد اليمين وجمع الشمائل ليُبين فضل النور وفضل اليمين مُقابل الظُلمات ومُقابل الشمائل .
الإنسان لا يُمكنُ أن يكون في وضع ٍ هو ذليلٌ فيهِ أعظم من ذلة السجود وكُلّما ذللت نفسك بين يدي الله كُنت منهُ قريباً فلمّا ذلّوا أنفُسهم وسجدوا أورثهُم الله بذلك السجود الذي سجدوهُ لهٌُ عزة وإباء ومنعة فلمّا هدّدهم فرعون لم يكُن مُبالون بتهديدهِ (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) أربعون عاماً وفرعون يُرسّخ فيهم انهُ رب وأنهُ إلهِ وأنهُ يقتُل ويبطُش كُلهُ مُحي بسجدة وربُما لم تتجاوز دقائق معدودات لأن الموروث الذي أخذوه من فرعون هباء منثور وإن كان لهُ حقيقة .
السجود من أعظم ما ينالُ به العبدُ عظيم اليقين
وهذهِ منهاج للمؤمن في كُل ما يأتيهِ ما يكونُ فيهِ شيء يتعلق بالله وما فيهِ يتعلّق بالمخلوقين فثق أن ما عند الله جل وعلا خيرٌ لك وأبقى وهذهِ من الطرائق التي ربى الله جل وعلا بها رُسُلهُ عليهم الصلاةُ والسلام وهذّبهم بها وثبت قلُوبهم جل وعلا بها أنهُ أعلمهم أن الآخرة هي الباقية هي التي يعملُ الخلقُ لها. قال صلى الله علية وسلم لما رأى الأنصار والمُهاجرين يبنون مسجده ” اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمُهاجرة “
رحمة الله جل وعلا لا تُستجلبُ بشيء بعد الإيمان والعمل الصالح بأكثر من دعوة أو أكثر من مدحٍ أو ثناءٍ على الله يستدرُ بها العبدُ ما عند الله جل وعلا فإن الرب تبارك وتعالى لا أحد أحبُ إليهِ المدحُ من نفسهِ ولذلك مدح ذاتهُ العلية وهذا أمرٌ مُشاهدٌ في الكتاب والسُنة فإنهُ كم من عبدٍ صالحٌ ذكر الله جل وعلا دعوتهُ كدعوة ذي النون .
وكقولهِ صلى الله عليهِ وسلم لما سمع عبدً يقولُ في دُعائهِ ” اللهم لك الحمدُ حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيهِ ” أخبر علية الصلاةُ والسلام أن هذهِ الكلمات أعجزت الملكين .
والمقصودُ من هذا أن الله جل وعلا تُستدرُ رحمتهُ وتُستجلبُ ما عندهُ من الفضل والإحسان بكثرة الثناء عليهِ و انكسارِ البعدِ بين يديهِ وهذا الأمر كان مظنة أن يأتي فرعون و إلا لو تقرر عند جبريل أن الله لن يرحم فرعون قطعاً مهما قال ما كان هناك حاجة لأن يضع جبريُلُ الطين في فم فرعون .
أن المرء لا يحملُ فوق كاهلهِ شيءً أشد عليهِ من ذنبهِ ولهذا علّق الله جل وعلا جوائز فضائل الأعمال بغُفران الذنوب.
فلمّا ذكر النبيُ صلى الله عليه وسلم الحج وأخبر ما يجدهُ العبدُ من عناءٍ فيهِ وأنهُ عباده يجتمعُ فيها البدنُ والمالُ والقلب قال صلى الله علية وسلم :” رجع كيوم ولدتهُ أُمهُ ” فعلّقها بمغفرة بمغفـرة الذنوب لأن الصالحين لا يخشون لا يؤرقهم شيء أعظم من أنهم يسألون الله جل وعلا غُفران ذنُبهم .
إن تغفر اللهم تغفر جما *//* وأيُ عبدٍ لك ما ألما
لما أراد الله أن يُخبر ببعض كرامتهِ إلى نبيهِ صل الله علية وسلم قال لهُ (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) وهو عليهِ الصلاةُ والسلام يُعلّمُ الصديق فيقول أن يقول في دُعائهِ
” اللهم إنني ظلمتُ نفسي ظُلماً كثيرا وإنهُ لا يغفرُ الذنوب إلا أنت فاغفر لي ” أو كلمةً نحوها .
المقصود أن غُفران الذنوب من أعظم ما يطلبهُ العبد ُ من ربهِ.
العجلة مذمومة إلا إذا كانت مُسارعةً في الخيرات إن العجلة مذمومة إلا إذا كانت مُسارعةً في الخيرات (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)
طلبُ رضوان الله جل وعلا من أعظم المقاصد وأجلّ المطالب ولا توجدُ عطية أصلاً بعد رضوان اللهِ قال الربُ تبارك وتعالى (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ) وكُلّما كانت بُغية المرء أن ينال رضوان الله جل وعلا كان من أعظم الساعين في أسباب التوفيق و والله إنك لن تخرُج من دارك تطلُبُ أمرً أعظم من رضوان الله فكُلّما غلب على ظنّك في عمل فيهِ رضوان الله فلا تترد في السعي إليهِ عاجلاً أم آجلاً (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) .
يقولُ مُعاوية “ لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت إذا أرخوها شددتُها وإذا شدوها أرخيتُها ـ وفي روايةٍ أنهُ قال ـ أعيشُ معهُم كالحمام إذا وقعوا طرت وإذا طاروا وقّعت
أن الله إذا أراد ضلالة أحد غشي على أبصارهِ وحرمهُ من استعمال عقلهِ و إلا يا أُخي ترى من المُحال أن يُقال أن قوماً يُنجيهُم الله ويرون البحر يبس وتمشي أقدامهُم عليهِ ثُمّ بعد هذا كُلهِ يأتون إلى عجلٍ لهُ خوار يعبدونهُ من دون اللهِ هذا من أعظم الدلائل على أن المسألة لا ترجعُ إلى العقل وإنّما هي هداية من الله ونور يضعهُ الله جل وعلا في قلب من يشاء
الذنوبُ والخطايا التي تكونُ للعبدِ ولابُد منها يجبُ أن تُوظف توظيفاً صحيحاً فلا يأتينّك أحد ينتهزُ فيك ماضيك وبعضَ خطاياك فيُوظفُك إلى ما يشاء وما يبتغي وما يُريد من باب أن ذلك كفّارةً لما قدّ عملّت وإنما الإنسانُ يعلم أن الذنوبَ والمعاصي ليس لها إلا التوبة وقد مرّ معنا في اللقاء الماضي
فو الله ما عصى الله أحد إلا من باب هذهِ الثلاث من واحده من هذهِ الثلاث الكبر، أو الحسد ، أو الحرص .
فالحرص بابٌ لشهوات والحسد بابٌ للبغي والكبر بابٌ للبغي والشهوات وبابٌ لردّ ما جاء الله جل وعلا بهِ ولا يُعصى إلا بإحدى هذهِ الثلاث . كلُ المعاصي تندرج في هذا الباب .
إن من أهم الطرائق إلى معرفة كلام الله معرفة أساليب العرب في كلامها
والتعلّقُ بالدُنيا يحولُ بين المرء وبين حتى معالي الأمور لأن من يرومُ مجداً لا ينبغي لهُ أن يتعلّقُ بالدُنيا لأن التعلّقُ بالدُنيا يُرث أمرين : يُورث الجُبن ،، ويُرث الحرص وهو الطمع
لكن من طلب معالي الأمور لابُد أن ينزع الدُنيا من نفسهِ يجعلُها مطية لما يُريد لا يجعلُها في ذاتها غاية وأنظُر لمن عبد الدينار والدرهم وتعلّق بهما كيف أحولهُما وانخفاض سوق الأسهُم في المال في الزمن القريب من لقاءنا هذا أكبر دليلاً على تعلّقُ فئامٍ كثيرٍ من الدُنيا صحيحٌ أن الإنسان لا يتحملُ الخسارة إذا وقعت لا يُلام الناس يعني لوماً وعتباُ قاسيا لكن لا ينبغي للعاقل أن يتعلّق بها تعلُّق من والعياذُ بالله يصلُ في مراحل حياتهِ إلى أن الرزق لهُ طريقٌ واحد والله يُعلّم عبادهُ ويؤدبهم ويقول (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ)
من عرف الله جل وعلا حق المعرفة علم أن أسباب الرزق والعطاء ليست أبداً محصورةً في طريقٍ واحد لكنّها من رازقٍ واحدٍ هو الله فاللهُ يقول لنبيهِ (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) وهذا يلزمُ من خلالهِ أن لا يُقلّب الإنسان طرفهُ كثيراً في متاعِ أهل الحياة الدُنيا قدر الإمكان (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا) ولماذا قال اللهُ زهرة ؟
لأن الزهرة يراها السامعون التالون للقرآن فيرون أنها ما تلب أن تظهر حتى قليلاً ثُمّ تذبُل وتنتهي
قد قال بعضُ الصالحين : ” إنما الدُنيا زهرةٌ حائلةٌ ونعمةٌ زائلة ” إنما الدُنيا زهرةٌ حائلة يعني تحولُ إلى ذوبان وذبول ونعمةٌ زائلة وهذا أمرٌ مُشاهدٌ مهزوز .
نُريدُ من كُل من يُشاهدُنا ويسمعُنا ويقراُ دُروسنا ونحنُ في المقام الأول يعني نتعظ في أن الغاية من خلقنا أن تعترف قلوبنا بخالقها وتذعن لهُ وتعبدهُ وحدُه ” ألا وإنّ في الجسد مُضغة إذا صلُحت صلُح الجسدُ كُله “
(يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
فلا يوجدُ أحدٌ ساد وعندهُ ما ليس عندك عندهُ قلب وعندك قلب وهو مقام التحاكُم وموطنُ العبادةِ وإليهِ يعني هو موضع محبةُ الله وبُغضُهُ عند أهل الكُفر وطاعتهُ ومعصيتهُ عند العُصاة فكلُ الأمور مُعلّقة بمدى اتصال الخلق بالخالق وما الجوارح إلا شواهد ودلائل وقرائن على مدى اتصال القلب بالخالق .